يعيش العالم اليوم في عصر التحول الرقمي، حيث تشهد كافة القطاعات انتقالاً سريعاً نحو استخدام التكنولوجيا وتبني الحلول الرقمية. ومن بين هذه القطاعات التي تبنت هذا التحول، هو القطاع التعليمي بشكل عام والجامعات على وجه الخصوص. وتواجه الجامعات العالمية والعربية تحديات كبيرة من أجل تلبية احتياجات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، وتقديم مستوى مميز من الجودة والابتكار الذي يساعد على التنافس. وتتجاوز الجامعات هذه التحديات من خلال تبني خطط استراتيجية شاملة للتحول الرقمي، ومن بين هذه الجامعات: جامعة الأزهر التي بدأت تخطو خطوات جادة في سبيل إنجاح المنظومة الرقمية.
التحول الرقمي في جامعة الأزهر:
تتبوأ جامعة الأزهر مكانة مرموقة في العالم الإسلامي والعربي، لأنها تجمع بين تدريس العلوم الدينية والعلوم الحديثة، وتعد جامعة الأزهر هي المؤسسة الإسلامية الأكبر في العالم وثالث أقدم جامعة بعد جامعتي الزيتونة والقرويين. وللجامعة ثلاثة فروع منتشرة في أنحاء جمهورية مصر العربية في القاهرة والوجه البحري والوجه القبلي، وتضم 87 كلية، وتقدم خدمات تعليمية مجانية للطلاب الوافدين، بالإضافة إلى دورها الفعال في نشر الثقافة الإسلامية. وبدأت الجامعة بالفعل في الآونة الأخيرة بوضع خطط استراتيجية لدعم التحول الرقمي في القاهرة والأقاليم، كما أنها بدأت في تنفيذ بعض أجزاء هذه الاستراتيجية.
تجربتة جامعة الأزهر في التحول الرقمي:
لا شك أن جامعة بحجم جامعة الأزهر لابد وأن تقوم بتوظيف التكنولوجيا الحديثة، والإستفادة من جميع تطبيقاتها من أجل تطوير العملية التعليمية، وتحقيق المنافسة العالمية، واستخدام أحدث التطبيقات التكنولوجية التي أصبحت تفرض نفسها على المجتمع الجامعي من طلاب وأعضاء هيئة تدريس وجهاز إداري، وقد بدأت جامعة الأزهر وضع خطة استراتيجية لدعم منظومة التحول الرقمي بمختلف كليات الجامعة بالقاهرة والأقاليم، وكان من الضروري التعرف على مدى توافر متطلبات التحول الرقمي بجامعة الأزهر من وجهة نظر أعضاء هيئة التدريس.
وبغرض التعرف على مدى توافر متطلبات التحول الرقمي بجامعة الأزهر أجريت العديد من الدراسات، وبعد عمليات بحث مستمرة، تم التوصل إلى أن رؤية جامعة الأزهر تتضمن توجهاً قوياً نحو التحول الرقمي، وأن الجامعة في الوقت الحالي تقوم بصياغة الخطط الاستراتيجية اللازمة للتحول الرقمي، وتستحدث إدارات فنية وتكنولوجية متخصصة لدعم هذا التحول، وذلك من خلال وضع التشريعات الجديدة التي تسهل من رقمنة المنظومة التعليمية والإدارية بالجامعة.
وتنظم الجامعة في الوقت الحالي ندوات تثقيفية لمنسوبي الجامعة لتنمية الوعي بأهمية وضرورة التحول الرقمي، كما تعقد الكثير من ورش العمل من أجل تدريب أعضاء هيئة التدريس على تصميم المقررات والاختبارات الإلكترونية بواسطة القوالب الإلكترونية المعدة خصيصاً لهذا الغرض، فضلاً عن إتاحة الجامعة مكتبة رقمية تمكن جميع منسوبي الجامعة من طلاب وأعضاء هيئة تدريس وهيئة معاونة من استخدام قواعد البيانات والمعلومات البحثية المحلية والعالمية.
وتشجع جامعة الأزهر في الوقت الراهن منسوبيها على نشر المحتوى الإلكتروني من محاضرات مقروءة ومرئية عبر تطبيقات الإنترنت مع ضرورة الالتزام بحقوق النشر لها، ويدل ذلك على امتلاك الجامعة للعديد من البرامج والتطبيقات التكنولوجية اللازمة لإنجاح عمليات الرقمنة. وتوفر الجامعة لهذا الغرض العديد من المتخصصين الفنيين في مجال تكنولوجيا المعلومات والدعم الفني بهدف حل المشكلات التقنية المرتبطة بإنجاح تجربة التحول الرقمي.
يتضح لنا توافر العديد من المؤشرات التي تؤكد بأن جامعة الأزهر بدأت تخطة خطوات جادة في السنوات القليلة الماضية بخصوص تطبيق آليات التحول الرقمي بهدف رقمنة العملية التعليمية والإجراءات الإدارية. وهناك العديد من المتطلبات الأساسية التي ينبغي التركيز عليها في الفترة القادمة لدعم نجاح التجربة.
ويعد محور نشر الثقافة الرقمية لدى منسوبي الجامعة أحد أهم متطلبات إنجاح التجربة، إذ لابد من تعميق وعي الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والإداريين بأهمية هذا التحول. إضافةً إلى تحديث البنية التحتية للجامعة بشكل مستمر من خلال عقد اتفاقيات تعاون مع جامعات تكنولوجية متطورة بهدف تبادل الخبرات الرقمية. فضلاً عن ضرورة استحداث منظومة رقمية بهدف تسهيل التواصل بين جميع موارد الجامعة البشرية، من أجل تسهيل عمليات التواصل الداخلية، ولإنجاز المهام الإدارية في وقت أكثر سرعة.
ومن بين متطلبات إنجاح تجربة التحول الرقمي بجامعة الأزهر هو ضرورة تطوير مهارات أعضاء هيئة التدريس وإعدادهم بشكل جيد كشرط أساسي لنجاح عملية الرقمنة بالجامعة، وذلك من خلال تدريبهم على استخدام المنصات التعليمية الإلكترونية، توفير الحوافز المادية والمعنوية للمتميزين رقمياً منهم، وتنظيم بعثات خارجية لأعضاء هيئة التدريس إلى الجامعات المتقدمة لتبادل الخبرات التكنولوجية.
خاتمة:
في ختام هذا المقال، يمكن القول بأن جامعة الأزهر قد أظهرت اهتماماً قوياً بالسعي تجاه تحقيق التحول الرقمي، من خلال وضع خطة استراتيجية واضحة للتحول الرقمي، وتكوين إدارات فنية وتكنولوجية متخصصة، وتوفير التدريب والتوعية لأعضاء هيئة التدريس. ونلاحظ أن أحد أهم مؤشرات تطبيق الجامعة للرقمنة هو إنشاء مكتبة رقمية توفر الوصول إلى قواعد البيانات والمعلومات البحثية المحلية والعالمية، الأمر الذي يمكن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والهيئة الإدارية من الاستفادة الكاملة من المصادر الأكاديمية المتاحة وتطوير بحوثهم ومشاريعهم. علاوة على ذلك، فإن تشجيع الجامعة لنشر المحتوى الإلكتروني والمحاضرات والمواد التعليمية عبر التطبيقات الإنترنت يبرهن عن استعدادها الكبير لهذا التحول.
ويظهر لنا أن التزام جامعة الأزهر بتعزيز الثقافة الرقمية لدى أعضاء هيئة التدريس والهيئة الإدارية، وتحسين البنية التحتية المتاحة، وتطوير مهارات الأعضاء التعليمية؛ يعني إدراك الجامعة أن الاستفادة من مزايا التكنولوجيا الحديثة ستسهم في تحسين جودة التعليم وتعزيز التفوق الأكاديمي.
ومن خلال الجهود المبذولة المتمثلة في تقديم التدريب والدعم الفني لأعضاء هيئة التدريس، زيادة درجة التعاون مع الجامعات التكنولوجية المتقدمة لتبادل الخبرات والمعرفة التكنولوجية وتطوير الخطط الاستراتيجية، يمكن لجامعة الأزهر أن تعزز من تجربتها في التحول الرقمي.
باختصار، فإن جامعة الأزهر تسعى جاهدة لاستثمار التكنولوجيا الحديثة وتطوير التحول الرقمي كأداة رئيسية لتحقيق التميز الأكاديمي وتلبية احتياجات المجتمع الجامعي، وذلك لتعزيز الكفاءة والفاعلية وتحقيق الريادة.
Share this content: