مكافحة الوباء رقمياً

في خضم الحرب يبدأ انهيار الدولة التدريجي بكافة قطاعاتها، ويعتبر انهيار القطاع الطبي والمنظومة الصحية مقدمةً خطيرةً لانهيار شامل إذا لم يتم تداركه سريعاً. خاصة إذا تطور إلى مرحلة وباء، وهنا سوف يتعدى الضرر مرحلة إنهيار الدولة والمجتمع كلياً إلى أضرار جسيمة وكارثية على الدول المجاورة أيضاً، خاصة على امتداد الحدود الجغرافية مع دول متاخمة.

إنذار مبكر:

كانت ملامح انتشار مرض الكوليرا بأولى الحالات التي ظهرت في مخيمات التهجير ومناطق مختلفة من أراضي اليمن وسورية، وبعد سنوات من الحرب وفي شهر أب لعام 2022 دق ناقوس الخطر لانتشار هذا المرض وبدأ تصنيفه في القطاع الصحي إلى درجة الاستعداد للمواجهة قبل حدوث الكارثة، أعلنت الأمم المتحدة انتشار وباء كوليرا في هذين البلدين رغم انقراضه تقريباً في سنوات سابقة.

بدأت الحالات تتالى والكشف عنها يصبح أكبر يوماً بعد أخر، ووصلت بعض الحالات للموت، وراحت البقعة الجغرافية للوباء تنتشر يوماً بعد يوم أمام عجز كبير من المؤسسات المحلية.

الاستجابة الأولية:

دق جميع المعنيين ناقوس الخطر وبدأ العمل بشكل منظم للسيطرة على هذا الوباء، وترشيد الناس على أخذ الاحتياطات اللازمة لعدم الإصابة بالمرض وتجنب العدوى به. وقد كانت الجهود المبذولة من المؤسسات الصحية ومنظمات الدعم المجتمعي كبيرةً جداً حيث استطاعت رسم خطوات فعالة وثابتة للحد من انتشار المرض، بشكل نظري، ولكن مهم لبدء العمل على الخطوات العملية.

كانت إحدى المنظمات العاملة في مناطق مختلفة من العالم، قد استعانت ببرامج تقنية ومختصين لرسم خط بياني لانتشار المرض، ومتابعة مصادره الرئيسية من خلال ناشطين ومتطوعين في العمل الإنساني بنشاطٍ كبيرٍ وجهود جبارة تغذي بيانات دراسة المرض وحيثياته، أي أنها بدأت بخطوة عملية مهمة للغاية؛ وهي جمع البيانات وتحديد مصادرها وأماكن ظهور وانتشار الوباء.

أول خطوات الرقمنة:

لتكون خطوة المواجهة مدروسة ومؤثرة، أطلقت المنظمة من خلال مكتب التقانة في صفوفها قسيمة إلكترونية خاصة بمواد النظافة اللازمة لكل منطقة حسب حاجة وشدة مؤشر انتشار المرض، كما استعانت بمخدمات عالمية بالشراكة مع منظمات وبرامج الأمم المتحدة، وبدأت بعمل ورشات فيزيائية، وأخرى أونلاين لتوعية الناس بخطورة مرض الكوليرا وكيفية التعامل معه وتفادي الإصابة به في كل مناطق خدمتها.

كما قامت بتوزيع قسائم النظافة الخاصة بدرجة الوباء على القاطنين بالمخيمات، كونهم أقرب للإصابة بهذا المرض والعدوى به من غيرهم، وأولت انتشار المواد اللازمة وقامت بحصر شرائها من خلال برمجيات الشراء وعدم القدرة على تسديد الفاتورة بحال كانت السلعة غير مطابقة لأدوات ولوازم مكافحة الوباء.

أي أن الخطوة الثانية بعد الاستناد للبيانات؛ ارتكزت على الاستفادة القصوى من الموارد المحدودة بطريقة صحيحة، مترافقة مع برامج توعوية ونشرات.

شراكات رقمية:

بعد أن تم التنسيق مع مراكز الخدمة ونقاط البيع من سوبر ماركت ومحلات قريبة من المناطق المستهدفة لصرف مخصصات هذه البطاقة. كانت نقطة انطلاق العمل من المخيمات التي تعد هي النقطة الرئيسية لانتشار الوباء والأكثر هشاشة في ذلك، وفي مناطق مختلفة يتجاوز طولها مئات تم توزيع آلاف القسائم بدقة شديدة تعتمد على المعلومات، قسيمة منها مخصصة لمواد وأدوات حماية معينة تحاكي انتشار الوباء في المنطقة وآليات الدفاع المقررة للحماية من انتشاره مع التركيز على فئات الاعمار المستفيدة، والمناخ المتغير بين منطقة وأخرى، وبيانات التلقيح.

نتائج العمل الرقمي:

لم تكن التجربة مثالية بما فيه الكفاية لوجود الكثير من العوائق، بل كانت مليئة بالمتاعب والثغرات خاصة بما يتعلق بالتوزيع عن طريق الرقميات كالبطاقات الذكية وطرق التعامل معها في ظل انقطاع الانترنت، والخدمات بشكل مستمر، وبعد المستفيدين عن مجالات التطور التقني والتشبيك مع مراكز البيع التي تعتمد نظام البيع بالطرق التقليدية.

كما كانت تكلفة اصدار البطاقة الإلكترونية الخاصة بهذا المشروع غالية الثمن كونها ستستخدم لمرة واحدة فقط من قبل المستفيد في هذا المشروع تحديداً.

أما الإيجابيات فقد كانت كبيرة مقارنة بما تم العمل عليه، واستطاع كل مستفيد ومهدد بالوباء التصرف بالشكل المناسب للحماية عبر حصر خياراته بشراء المواد الخاصة بما يعمل عليه المشروع بعيداً عن الغوغائية الشرائية وعن بعد بحسب الإحصائيات التي تم دراستها بشكل مستعجل من قبل فريق هذه المنظمة.

الخلاصة

كان الاستخدام الجيد للرقمنة منظماً وعاملاً مهما من علامات الحصول على أكبر وأسرع النتائج الصحية ونجاح التصدي للوباء ولو بشكل جزئي، إنما بتنظيم كبير وتسخير الإمكانيات البشرية بدقة عبر الاستفادة من البيانات، بدلاً من جهود المراقبة بعد أن يتم التنفيذ وتلافي الأخطاء قبل الوقوع بها هي أهم إيجابية بعد انطلاق مشروع مماثل.

إقرأ المزيد تجربة شركة فارتكس (variteks)للصناعات الطبية