تجربة منظمات إنسانية في التحول الرقمي
أطلقت العديد من المنظمات الإنسانية حزماً وأنشطة خاصة بها خلال فترة الاستجابة للمتضررين من الأزمات الطبيعية والحروب، والكثير من هذه المنظمات كان قد بدأ مبكراً وعايش سنين الحرب الطويلة؛ ليتبين مواطن الخلل في إيصال المساعدات لمستحقيها، حيث غالباً ما تتم عمليات الاستجابة في ظل ظروف صعبة وغير متوقعة وغير مخطط لها، مما يجعل صعوبة التطبيق الأمثل للمبادئ الإدارية صعباً للغاية.
بداية الاحتياج الرقمي
تترافق عمليات الكوارث والحروب بتحولات ديمغرافية دائمة، تخلط المسائل وتصعب عمليات الإحصاء بناءً على الجغرافية والموقع، كما هي العادة مع عمليات الإحصاء التقليدية، مما يجعل المنظمات الإنسانية والتنموية عاجزة عن تحديد الاحتياجات وتسعى لطرق مختلفة من التقدير والاجتهاد. لقد مرت منظمات عدة بهذه التجربة خاصة في كل من سورية، واليمن، والعراق.
في ظل هذه الظروف أطلقت بعض المنظمات الإنسانية برنامجاً إحصائياً مجتمعياً بالاعتماد على الكثير من تطبيقات الإحصاء وجمعها في قاعدة بيانات واحدة في سبيل التحليل والمتابعة، حيث باتت النتائج الإحصائية ومعالجتها جزء من عمل المختصين في هذه المنظمات، وتم تحديث التقارير بشكل دوري من خلال إيصالها للجهات المسؤولة عن عمليات التخطيط والتقييم أولاً بأول، برامج وتطبيقات الإحصاء، كانت هي المرتكز الرئيس في عمل هذه المنظمات.
أول الحلول
بعد تعثر الكثير من الخطوات، قامت هذه المنظمات بتدريب الكوادر المشاركة بطرح البرامج على البنية المجتمعية للتعامل مع كل الصعوبات التي يمكن أن تواجه المستفيدين وأقصر الطرق للحلول السريعة والمفيدة. وبعد أن تكللت أول نتيجة إحصائية بالنجاح، وبعد التأكد من البيانات بأكثر من طريقة، وانتشار برامج الدعم في المناطق النائية عبر تطبيقات سهلة الوصول والاستخدام،
توقعت بعض المنظمات أنها استطاعت كسر أول حلقة في سلسلة نقص المعلومات التي كانت تعاني منها، ولكن كيف تم ذلك؟، لقد استطاعت هذه المنظمات حصر الاحتياجات من خلال الوصول للأسر الأكثر احتياجاً وإعطائها بطاقة معلومات تبقى معها أينما تنقلت، مما يقلل من قيود الجغرافية، الفكرة هنا لم تكن تقنية بحتة بقدر ماهي فكرة مبتكرة ومستندة إلى حلول تقنية، ولعل هذا يعزز أمراً مهماً، هو أن التكنولوجيا يمكن إضافة أفكار بسيطة لها لتصبح أكثر فعالية.
خطوة رقمية جديدة
أطلقت منظمات عاملة في سورية واليمن أول برنامج دعم مجتمعي؛ يسير على منظومة رقمية متكاملة عام 2021، من خلال إصدار بطاقات دفع خاصة ومبرمجة على قاعدة بيانات واحدة، استطاعت من خلالها التعاقد مع مئات النقاط المنتشرة جغرافياً على امتداد مناطق عملها، وأطلقت أول مبادرة في شهر رمضان لعام ألفين وواحد وعشرون حيث استطاعت الوصول الى عشرات آلاف الأسر المستفيدة من التجربة، بعد أن قامت بتوزيع أجهزة خاصة بها على منافذ التوزيع المختلفة. جاءت هذه الخطوة غاية في الأهمية على الصعيد الإنساني؛ من خلال كسر الصورة النمطية للمساعدات المقدمة في شهر رمضان والعيد على حد سواء، والتي كانت محل نشاط لمعظم المنظمات، ولكنها أيام إرباك وخلط للمعلومات، وغالباً ما اتسمت بالفوضى وعدم الرضى من قبل المستفيدين وكذلك مسؤولي المنظمات.
مثال على الاستفادة من تحليل البيانات لدى هذه المنظمات
كانت المساعدات تحتوي على نفس الأنواع الغذائية بمحتويات مكررة ومطابقة في كل المبادرات، بحيث تكون المواد الغذائية هي العنصر الرئيسي بها، ولكنها تقتصر على الغذاء الجاف المكون من الحبوب والبقوليات، والتمر، والسكر والملح، دون أن تحوي بقية المواد التي تحتاجها الأسرة كالمحروقات اللازمة للطهو على سبيل المثال، أو الألبسة الشتوية أو المواد المخصصة للأطفال، مما يضطر هذه المنظمات لتوزيع حصص مكملة تجعل الأمر مرهقاً من حيث التكلفة والعمل.
ومن خلال تحليل البيانات من قبل المسؤولين عن التخطيط مباشرة تم تطوير نظام منح نقدية مضمنة في بطاقة المعلومات، وتم استبعاد السلل الغذائية الجافة والتي كانت تعين الأسر في معظم الأوقات، ولكنها لاتمثل معظم احتياجاتها، مما يتسبب بالهدر في أغلب الأوقات. حددت قيمة المنحة بشكل نقدي في بطاقة المعلومات الموزعة على المستفيدين، والمبرمجة على الأجهزة المنتشرة في نقاط التوزيع المختلفة، وجعلت خيارات الشراء غير محدودة من حيث الأصناف عبر توزيع منافذ البيع على المواد التي يمكن أن تشكل نقصاً معيشياً في أي أسرة، وتستطيع الأسرة أن تشتري بثمن السلل الغذائية احتياجاتها التي تراها مناسبة، وبمعنى أخر تستطيع تركيب سلتها ومكوناتها كما تشاء، وهذه أيضاً معلومات قيمة تم تحليلها ليصار إلى اعتماد مكونات جديدة في سلل توزع بين الحين والأخر.
إيجابيات التجربة الرقمية الأولى
كان من مميزات التجربة أنها منعت التلاعب التي يمكن أن يفعله بعض الموردين من خلال اختيار أنواع رديئة من الغذاء، وجعلت الأسرة تختار الأنواع المتوافرة بحسب احتياجها، كما منعت الكثير من الهدر، الذي يمكن أن يتم من خلال بيع المساعدات الغذائية بأسعار قليلة لشراء حاجات أخرى أكثر أهمية، كما لعبت هذه التجربة دوراً في تعزيز مسؤولية الأسرة وإشعارها بأنها قادرة على شراء احتياجاتها بعيداً عن السلل الجاهزة، أي تم منحها مسؤولية إضافية تجعلها تقترب من الأسواق وتطلع على الأوضاع عن كثب. كما كان الانتشار الجغرافي للمساعدات ممتاز وتصل المساعدات حيث يصل الانترنت دون تكاليف النقل الروتينية وصعوبة الوصول للأرياف.
سلبيات التجربة
لقد شكل اللوجستيك المتعلق بالبطاقات أمراً مرهقاً حيث تم إضافة بطاقات موزعة وآلات قراءة البطاقة، والتي عدت تكاليف إضافية على المنظمات، كما أن وجود الإنترنت المطلوب لإتمام العملية من حيث مطابقة البطاقة بمعلومات الأسرة كان أمراً صعباً في بعض المناطق التي تعد مناطق كوارث أو حروب، مما جعل بعض الأسر تضطر للتنقل بعيداً عن مسكنها.
الملخص
استطاعت بعض المنظمات الإنسانية الاستفادة من البيانات الضخمة المتوفرة في أماكن الاستجابة لتحليل المعلومات، واستخراج الأمثل والأفضل من القرارات، وعبر التعاون مع الأسر المستفيدة حافظت هذه المنظمات على تدفق البيانات من خلال تحليل أنماط الشراء، وتطوير آليات توزيع مختلفة، ورغم أن التجربة كانت على نطاق ضيق، إلا أن الاستفادة من البيانات جعل من التجربة قيمة ويمكن تكرارها في عدد واسع من المشاريع.
إقرأ المزيد مكافحة الوباء رقمياً
Share this content:
إرسال التعليق