النحل الرقمي: تجربة زراعية في ظروف صعبة
تأتي الحرب بخرابٍ كبيرٍ على كثيرٍ من القطاعات والمستويات لا ينتبه لخطورتها الا المختصين بكل قطاع أو مهنة على حدة، ويبقى النموذج الاكثر تداولاً هو الخراب العمراني، بينما تتأثر الكثير من المهن بتبعات هذه الحرب وعلى رأسها الزراعة، التي تعد القطاع الرئيس في تأمين احتياجات السكان، ومنتجاتها تعتبر مدخلاً رئيسياً في الصناعة والتجارة وبعض الخدمات.
المخاطر الخفية:
تأتي خطورة فقدان المحاصيل الزراعية لسنوات متتالية من كونها قابلة للتحول الى مجاعة، دون أي إنذار مسبق أو دراسة تبعاتها الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة.
خلال الحرب في سوريا قامت الكثير من المنظمات والمؤسسات بإطلاق أكثر من مبادرة ومشروع لدعم الانتاج الزراعي، وتحقيق نجاح على صعيد الاكتفاء الذاتي، وتشغيل اليد العاملة بأكبر عدد ممكن للتخفيف من آثار الحرب على العمالة بشكل عام.
مبادرة النحل الرقمي:
كانت من ضمن هذه المبادرات مشروع أطلقته منظمة بذور، وهي منظمة إنسانية غير ربحية، تسعى لدعم المنتجين الزراعيين، وقد أطلقت المبادرة تحت عنوان: (تنظيم سبل عيش النحالين في سورية) حيث اعتمدت على رقمنة بيانات النحالين عبر معلومات الخلايا، ورعاية أعداد من النحل، والمساحات المتوفرة لانتشار النحل وكفاءتها، ثم جدولة احتياجاتهم من الطبابة البيطرية والغذاء الخاص بالنحل والمزروعات المناسبة للحفاظ على الانتاج المحلي من العسل. وصل عدد المستفيدين من هذه المبادرة الى ثلاثمئة نحال في المرحلة الأولى، وبمعدل يتراوح بين عشرة خلايا وستين خلية لكل مستفيد من المسجلين في المشروع.
أطلقت المنظمة من خلال المشروع دعماً لوجستياً يتضمن خلايا النحل الرقمية، والتي تم تزويدها بنمط باركود يتم مسحه عبر تطبيق مخصص في الهواتف الذكية، يتمكن المستفيد من خلاله إضافة كل تطورات الخلية من احتياجات وتطورات في الانتاج والحالة الصحية للنحل، وتتعامل المنظمة مع البيانات الجديدة في قضايا تلبية الاحتياجات، وكذلك الاستجابة السريعة في حال وجود أي أمراض أو مخاطر تهدد النحل.
كما يتم متابعة تطور مشروع كل من النحالين، من قبل الأطباء البيطريين المختصين في المنظمة، دون الحاجة لزيارات يومية أو دورية الى كل المستفيدين من المشروع، مما يوفر الوقت والسرعة في الاستجابة، ومن خلال قراءة البيانات التي يضعها المستفيد، عبر نماذج معدة مسبقاً تم إعدادها من قبل متخصصين، ويتم مراقبة جودة العسل، ومحتواه الغذائي، وصحة النحل العامة، والجدول الدوري للتغذية.
التعاون الرقمي:
كما تم التشبيك الالكتروني بإضافة برنامج أخر، يتم من خلاله صرف المستحقات الناتجة عن مراقبة بيانات الخلايا في إدارة المنظمة من خلال بطاقة صرف آلي يتم الدفع من خلالها لمنافذ البيع التي اعتمدتها المؤسسة في جغرافيا النشاط، وهي موزعة بشكل جغرافي وباستخدام الذكاء الصناعي لتقسيم المناطق إلى منافذ بيع مستلزمات الطعام المخصص للنحل، والعيادات البيطرية الزراعية المخصصة للأدوات الخاصة بالنحالين والدواء الزراعي والبيطري.
إيجابيات الرقمنة:
جاءت رقمنة المشروع وتحليل بياناته خلال الفترة التأسيسية متعبة للغاية ومكلفة بعض الشيء، الا أنها أضافت الكثير من التطور لتجربة المربين والنحالين في القطاع الزراعي ومن هذه الميزات:
- الانتشار الجغرافي المناسب للخدمات المقدمة، وسهولة الوصول إليها، ومراقبته بشكل جيد، وبعدد أقل من الموظفين، وفائدة أكبر لكلا الطرفين، ومخاطر قليلة نسبياً.
- وصول كافة المستحقات عن طريق الانترنت، والبرمجة الخاصة بالتطبيقات المعتمدة بين المؤسسة والمستفيد، دون الحاجة لمراجعة المستفيدين في مقر الإدارة الخاص بالمنظمة.
- رفع الإنتاجية المحلية من العسل الطبيعي، وجودته والتشبيك مع منظمات إغاثية أخرى للاستفادة من العسل بشكل غير تجاري مع وضع توافره في الأسواق بعين الاعتبار، كونه مادة أقرب للصفة الدوائية في مناطق الحروب.
- وصول المزارعين والنحالين الى أجواء زراعة، وتربية النحل العالمية واطلاعهم على تجارب اخرى من التجارب المختلفة في تربية النحل من خلال التطبيق الخاص بالمؤسسة.
سلبيات الرقمنة:
ومن خلال تتبع خطوات العمل في هذا المشروع يمكننا أن نرى أن التجربة حملت بعض المثالب والمصاعب منها:
1 -ا لجهل الرقمي وأحياناً الجهل اللغوي في الأرياف، وهي بيئة المزارعين والنحالين الأساسية، مما يجعل النحال يعتمد على أحد أبنائه أحياناً والذي يعد بعيد نسبياً عن بيئة العمل.
2-انتشار الغالبية من المستفيدين على جغرافيا كبيرة، وممتدة تصل مساحتها لألاف الكيلو مترات، وصعوبة جمعهم في مشروع واحد أو منطقة جغرافية محددة، كما أنهم يغيرون مواقعهم بطريقة مستمرة.
3 -عدم ثقة المزارعين بأغلب المنظمات بسبب تجارب سابقة فشلت، أو تم تغيير مواصفات المادة المطروحة لمساعدتهم، وعدم ثقتهم بالتحول الرقمي أيضاً كوسيلة ناجعة للتواصل الإنتاجي المثمر أو إمكانية الحصول على نتائج حقيقية منه.
4-عدم المتابعة الرقمية من قبل المزارعين، تعتبر أول خطوة في طريق توقف الدعم المضاف، مما يستدعي ضرورة تذكيرهم بشكل دائم بأهمية الأمر.
بالملخص
عمدت المنظمة إلى تحويل البيانات الخاصة بالنحل إلى بيانات رقمية، تسهل عملية التحليل والمتابعة، ولا يمكن إنكار صعوبات الانتشار الرقمي، إنما كانت الجهود مثمرة بنسبة جيدة، ويمكن البناء عليها للانتقال تدريجيا نحو عالم زراعي وبيطري رقمي مثمر ومفيد، في الحالات الحرجة التي خلفتها الحروب، وما زالت تعاني من الوصول للجميع بيسر وسهولة.
إقرأ المزيد القهوة: تجربة شركة نسبريسو
Share this content:
إرسال التعليق