dgjarvis@eastlink.ca
في قلب الجنوب السوري، تقف محافظة القنيطرة شامخة كمنطقة زراعية ذات إمكانات هائلة، رغم التحديات المتعددة التي تواجهها.
تمتد أراضيها الخصبة على مساحات شاسعة، وتتميز بتنوع محاصيلها وثروتها المائية التي تشكل عصب الحياة الزراعية فيها.
ورغم الظروف الصعبة التي مرت بها المنطقة، إلا أن القطاع الزراعي فيها يحمل بذور نهضة اقتصادية واعدة، تنتظر من يستثمرها بالشكل الأمثل.
واقع الزراعة في القنيطرة:
تمتلك محافظة القنيطرة مساحة قابلة للزراعة تقدر بحوالي 32 ألف هكتار، تشكل أرضاً خصبة لمجموعة متنوعة من المحاصيل الزراعية. وتعتبر زراعة القمح والشعير من أهم النشاطات الزراعية في المحافظة، حيث بلغت نسبة زراعة القمح 74% من إجمالي الخطة الزراعية، بمساحة إجمالية تقدر بـ 6018 هكتاراً، منها 4193 هكتاراً زراعة بعلية و1825 هكتاراً زراعة مروية.
كما تشتهر المنطقة بزراعة البقوليات الغذائية مثل الفول والبازلاء والعدس، والبقوليات العلفية كالبيقية والكرسنة، بالإضافة إلى محصول العنب الذي يقدر إنتاجه بنحو 840 طناً سنوياً من مساحة تبلغ 218 هكتاراً.
تحديات القطاع الزراعي في القنيطرة:
يواجه القطاع الزراعي في القنيطرة تحديات متعددة، أبرزها:
- شح المياه: يعد نقص المياه التحدي الأكبر، حيث شهد موسم 2024-2025 انخفاضاً غير مسبوق في معدل الهطول المطري، بلغ 256 ملم فقط، مقارنة بالمعدل السنوي الذي يتجاوز 600 ملم، وهو الأسوأ منذ أكثر من 30 عاماً.
- السيطرة على مصادر المياه: تشكل السيطرة على السدود المائية في المنطقة، خاصة سد المنطرة الذي يعتبر من أكبر السدود المائية في منطقة حوض اليرموك، تحدياً إضافياً يؤثر على توفر المياه للمزارعين.
- ارتفاع تكاليف الإنتاج: تعاني الزراعة في القنيطرة من ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج، ونقص توريدات المازوت، مما يؤثر سلباً على قدرة المزارعين على زراعة أراضيهم.
مشاريع زراعية واعدة للاستثمار في القنيطرة:
رغم التحديات، تزخر القنيطرة بفرص استثمارية واعدة في القطاع الزراعي، يمكن أن تسهم في تحقيق نهضة زراعية حقيقية في المنطقة. ومن أبرز هذه المشاريع:
1. مشاريع الزراعة المائية (الهيدروبونيك)
تعد تقنية الزراعة المائية حلاً مبتكراً لمواجهة تحديات شح المياه، حيث تتميز بتوفير أكثر من 90% من المياه مقارنة بالزراعة التقليدية. يمكن إقامة مشاريع زراعة مائية في القنيطرة لإنتاج الخضروات الورقية والفراولة والأعشاب الطبية، مما يوفر إنتاجاً مستداماً على مدار العام، ويخلق فرص عمل جديدة للشباب.
تتطلب هذه المشاريع استثماراً أولياً متوسطاً، لكنها تحقق عائداً سريعاً نظراً لقصر دورة الإنتاج وارتفاع الإنتاجية. كما يمكن الاستفادة من الدعم الحكومي والمنح الدولية لتمويل هذه المشاريع، خاصة مع توجه مديرية الزراعة لدعم المشاريع المستدامة.
2. مشاريع الحصاد المائي:
- تعتبر تقنيات الحصاد المائي من الحلول الفعالة لمواجهة شح المياه، من خلال تجميع مياه الأمطار وتخزينها لاستخدامها في الري خلال فترات الجفاف. يمكن إقامة مشاريع لإنشاء برك تجميع المياه وخزانات أرضية وسدود صغيرة في مناطق مختلفة من القنيطرة.
- تساهم هذه المشاريع في تحسين كفاءة استخدام المياه، وتوفير مصدر مائي إضافي للمزارعين، مما يمكنهم من زيادة المساحات المزروعة وتنويع المحاصيل. كما أنها تساعد في الحد من تآكل التربة وتحسين خصوبتها
3. مشاريع الزراعة الذكية مناخياً:
تعتمد الزراعة الذكية مناخياً على استخدام التقنيات الحديثة لتحسين الإنتاجية الزراعية مع التكيف مع التغيرات المناخية. يمكن تطبيق هذه التقنيات في القنيطرة من خلال:
- استخدام تقنية التسوية بالليزر لتحسين كفاءة الري.
- تطبيق نظم الري بالتنقيط والري الموضعي لتوفير المياه.
- استخدام أصناف محاصيل مقاومة للجفاف ومتكيفة مع الظروف المناخية المحلية.
- تطبيق الدورات الزراعية المناسبة للحفاظ على خصوبة التربة.
تحظى هذه المشاريع بدعم من المنظمات الدولية والحكومة السورية، مما يجعلها فرصة استثمارية جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين.
4. مشاريع تصنيع المنتجات الزراعية:
تشكل الصناعات الزراعية قيمة مضافة للإنتاج الزراعي، وتساهم في تحسين دخل المزارعين. يمكن إقامة مشاريع لتصنيع وتعليب المنتجات الزراعية في القنيطرة، مثل:
- معاصر زيتون عصرية لإنتاج زيت الزيتون عالي الجودة.
- وحدات تجفيف للفواكه والخضروات.
- معامل لإنتاج المربيات والعصائر الطبيعية.
- وحدات تعبئة وتغليف للمنتجات الزراعية.
تساهم هذه المشاريع في تقليل الفاقد من المحاصيل الزراعية.
وخلق فرص عمل جديدة، وزيادة القيمة المضافة للمنتجات الزراعية المحلية.
5. مشاريع الزراعة العضوية:
مع تزايد الطلب العالمي على المنتجات العضوية، تشكل الزراعة العضوية فرصة استثمارية واعدة في القنيطرة. يمكن تحويل جزء من الأراضي الزراعية إلى مزارع عضوية لإنتاج محاصيل ذات قيمة عالية مثل الأعشاب الطبية والعطرية، والخضروات العضوية.
تتميز هذه المشاريع بانخفاض تكاليف المدخلات الكيميائية، وإمكانية تصدير المنتجات إلى الأسواق الخارجية بأسعار مجزية، مما يحقق عائداً اقتصادياً أعلى للمزارعين.
دور الدعم الحكومي في تنمية القطاع الزراعي:
تولي الحكومة السورية اهتماماً متزايداً بتطوير القطاع الزراعي في القنيطرة، من خلال:
- تقديم قروض بدون فوائد للمزارعين، تصل قيمتها إلى 40 مليون ليرة سورية لمزارعي المحاصيل الصيفية.
- توفير مستلزمات الإنتاج مثل البذور والشتول والأسمدة وشبكات الري بالتنقيط.
- تعديل الخطط الزراعية بما يتناسب مع الظروف المناخية والموارد المائية المتاحة.
- التنسيق مع المنظمات الدولية لتقديم منح عينية للمزارعين.
هذه المبادرات تشكل فرصة للمستثمرين للاستفادة من الدعم الحكومي في إقامة مشاريع زراعية مستدامة في المنطقة.
خاتمة:
تمثل محافظة القنيطرة، رغم التحديات التي تواجهها، فرصة استثمارية واعدة في القطاع الزراعي. فموقعها الاستراتيجي، وأراضيها الخصبة، ومناخها المتنوع، والدعم الحكومي المتزايد، كلها عوامل تجعل من الاستثمار في المشاريع الزراعية المستدامة خياراً استراتيجياً للمستثمرين الباحثين عن فرص واعدة.
إن تبني التقنيات الحديثة والمستدامة في الزراعة، والاستفادة من الدعم الحكومي والمنح الدولية، يمكن أن يحول القنيطرة إلى نموذج رائد في الزراعة المستدامة، ويسهم في تحقيق الأمن الغذائي، وتوفير فرص عمل جديدة، وتحسين مستوى معيشة سكان المنطقة.
فالقنيطرة، بإمكاناتها الزراعية الهائلة، تنتظر من يستثمر فيها، ليحول تحدياتها إلى فرص، ويطلق العنان لإمكاناتها الكامنة، ويجعل منها واحة زراعية مزدهرة في قلب سوريا.
اقرأ المزيد: أبرز التحديات الحالية وأهم الفرص الاستثمارية في سوق الصيدليات بالشام.
Share this content: