يعتبر الذكاء الاصطناعي أبرز الابتكارات التكنولوجية التي تحولت إلى حقيقة حيوية في حياتنا اليومية، فهو ليس مجرد مصطلح تقني، بل أصبح يمثل تحولًا ضخمًا نلمس آثاره من حولنا، سواء على الصعيد الشخصي أو الاقتصادي، أو حتى المهني، وفي كل المجالات والأصعدة كالطب، والتعليم، والأعمال التجارية وغيرها، إذ شكل إضافة واضحة للتحسينات والتطويرات التي نستشعرها في كل تفاصيل حياتنا، فالتفاعل اليومي مع التكنولوجيا أصبح أكثر سهولة وذكاء، حيث يستخدم الكثير من الناس تطبيقات وخدمات تعتمد على الذكاء الاصطناعي بصورة رئيسية دون أن يكونوا على دراية تامة بذلك، ودون أن يحتاجوا لمستوى معرفي مرتفع لُيحسنوا استعمالها.
مفهوم الذكاء الاصطناعي
يمثل الذكاء الاصطناعي إحدى مجالات الحوسبة الإلكترونية، ويهدف إلى إنشاء أنظمة تقنية آلية قادرة على تنفيذ مهام تتطلب تفكيرًا ذكيًا يحاكي تفكير البشر، وتكون قادرة على التفاعل بشكل ذكي مع البيئة، وتطوير نفسها، واتخاذ قرارات بناءً على البيانات التي يتم تزويدها بها، ويعتمد الذكاء الاصطناعي على مجموعة واسعة من التقنيات والمفاهيم، مثل تعلم الآلة، والشبكات العصبية الاصطناعية، ومعالجة اللغة الطبيعية، والرؤية الحاسوبية، وغيرها، بهدف الوصول للذكاء الآلي الذي ينفذ المهام البشرية بفعالية كبرى.
فوائد الذكاء الاصطناعي
من خلال قدرة الحواسيب والبرمجيات المتقدمة على معالجة كميات ضخمة من البيانات وتحليلها بشكل ذكي، يمكن للذكاء الاصطناعي تحقيق فوائد هائلة في كافة مجالات الحياة كما ذكرنا في مقدمة المقال، وفي الفقرة التالية سنستعرض أمثلة لتلك الفوائد .لكن من جانب أخر يتساءل الكثيرون عن مدى أمان هذا التحول التكنولوجي وما إذا كان يحمل تحديات ومخاطر تستحق التفكير والنقاش، وهذه المسألة سنضيء عليها أيضاً بعد الحديث عن الفوائد مركزين على السؤال الرئيسي: “هل الذكاء الاصطناعي خطير، وما هي الوظائف التي يمكن أن يهددها؟” ولنبدأ أولاً في ذكر بعض التطبيقات الإيجابية للذكاء الاصطناعي.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي
الرعاية الصحية
تشخيص الأمراض: تعتبر التطبيقات الصحية المتوفرة على الأجهزة الذكية من أبرز آثار الذكاء الاصطناعي على المجال الصحي، فهذه التطبيقات تبين نشاط المستخدم اليومي من قياس للضغط والمسافة التي يمشيها وغيرها، وتقدم له النصائح اللازمة للحفاظ على سلامته، يضاف لها مجمل الأجهزة الطبية المنتشرة في المستشفيات والعيادات والمنشأت الطبية، وغيرها من المواقع الإلكترونية التي باتت تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور الطبية، ومعرفة الأعراض، وتشخيص الأمراض بدقة عالية تنافس فيها الأطباء، وبمعزل عن أي تدخل بشري.
التعليم:
مساعدة في التقييم: تبدأ القصة من نقطة تحديد ما يتناسب وذكاء الطالب وإمكاناته، وإعداد المناهج التي تتوافق مع مستواه التعليمي وتفضيلاته، ثم تقوم بتحديد نقاط قوته وضعفه، وتقييم أدائه، وتقديم النصائح اللازمة له لتحقيق أفضل النتائج، وكل هذا يتم بالاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي.
الأعمال والتسويق:
تحليل البيانات: يعتبر تحليل كميات هائلة من البيانات لفهم اتجاهات السوق، وتوجيه استراتيجيات التسويق من أهم الأسلحة الفعالة التي قدمتها أدوات الذكاء الاصطناعي في عالم الأعمال اليوم، والتي تعتمد عليها الشركات بشدة في مجال المنافسة.
السيارات الذكية:
نظم قيادة ذاتية: يعمل الذكاء الاصطناعي على تطوير نظم القيادة في السيارات، التي بات جزء منها ذاتياً القيادة وذكياً بامتياز اليوم مما يزيد من سلامة الركاب، ويقلل من حوادث الطرق، ويوفر من وقت السائقين، ويسهل عملية القيادة.
مساعدة في الصيانة: حيث يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي تشخيص مشاكل السيارة بشكل إلكتروني، وتوجيه السائق إلى الخدمة المناسبة بدون تدخل بشري يُذكر.
الترجمة اللغوية:
ترجمة فورية: فاليوم لم يعد أحد يخشى السفر، أو يواجه مشكلة في قراءة نص ما أو ترجمته، أو حتى التواصل وبناء صداقات مع أناس من لغات محتلفة، فتطبيقات الذكاء الاصطناعي مكنت من تحسين جودة وسرعة الترجمة الآلية، وجعلتها متاحة لكل الفئات.
هذه بعض الأمثلة عن كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات متنوعة ومفيدة، حيث يظهر كأداة قوية لتحسين الكفاءة والتكامل في مختلف جوانب حياتنا اليومية والصناعية.
الوظائف التي قد تتأثر بالذكاء الاصطناعي
- التصنيع والإنتاج الآلي: فنسبة استخدام الروبوتات والأتمتة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في عمليات التصنيع قد زادت بشدة في عصرنا الحالي، مما قد تؤدي إلى تقليل الحاجة إلى العمالة التقليدية في كثير من الوظائف، وخاصة تلك المهام التي تحتاج إلى كثافة في الأيدي العاملة.
- الخدمات المصرفية وتحليل البيانات المالية: إن تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات المالية وكثير من الخدمات الأخرى، كالصرافات الآلية، والآلات التي تطبع الكشوف المصرفية وغيرها من الورقيات التي كانت تُقدم للعملاء من خلال الموظفين، هذا فضلاً عن التطبيقات المتوفرة على الأجهزة الذكية، شكل خطراً واضحاً على قطاع التوظيف المصرفي.
- النقل واللوجستيات كالقيادة الذاتية: تطوير تقنيات القيادة الذاتية في السيارات كما ذكرنا سابقاً، وفي وسائل النقل الأخرى قد يتسبب في تقليل الحاجة إلى سائقين خصوصيين في الوقت الحالي، وسائقي أجرة مستقبلًا، وحتى سائقي القطارات، وغيرها من الآليات والمعدات الثقيلة التي بات يظهر فيها أثر الذكاء الاصطناعي جلياً.
- المحاسبة والتدقيق والتحليل المالي والمحاسبي: يمكن للبرمجيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي أداء العديد من المهام المحاسبية، أكثر مما هو حاصل اليوم، فاليوم حتى في الهواتف الذكية تجد تطبيقات محاسبية يمكن استخدامها من قبل جميع الأفراد، وأيضاً في القطاع الضريبي المرتبط نجدهم باتوا يعتمدون على تطبيقات الذكاء الاصطناعي بوضوح، مما قد يؤثر على حاجة الشركات إلى عدد كبير من المحاسبين، ويعرض كثيراً منهم للبطالة.
عند متابعة الإحصائيات وتعقب التبعات التي نتجت عن التطورات والطفرات التكنولوجية عبر التاريخ الحديث، نرى أنها مثيرة للتفاؤل، لأن آثارها النهائية على أسواق العمل كانت إيجابيًة، ولأن فرص العمل التي خلقتها هذه التقنيات عادة ما كانت أعلى من الفرص التي اندثرت.
إلا أن هناك رأيان متعارضان في هذه المسألة، ولكل منهما حججه التي يعتمد عليها، وهذا ما سنتحدث عنه في فقرتنا التالية:
- الرأي الأول “فريق الاقتصاديين” نظرتهم متفائلة للمسألة بسبب حجم الدراسات السابقة الداعمة لرأيهم، ومآلات التطور التقني الذي أصاب كل مفاصل الحياة، مثالًا على ذلك دراسة نشرتها مؤسسة Mekinsey العالمية للاستشارات مفادها أنه عندما ظهر الحاسوب تسبب في محو 3.5 مليون وظيفة بين عامي 1980 و 2015، بينما على الجانب الآخر ساهم في خلق 19 مليون وظيفة في نفس الفترة (أكثر من 5 أضعاف)، أما مسار التاريخ فهو يخدم بلا شك هذا الرأي ويعضده، ذلك أن نتائج التطور العلمي والتقني أدت بدرجة كبرى جداّ إلى تحسين حياة البشر، وزيادة مستوى الرفاهية، وتوسيع سوق العمل، وابتكار مهن جديدة لم تكن موجودة من قبل.
- الرأي الأخر “فريق التقنيين” ونظرتهم سوداوية للأمر، فهم يرون الجانب المظلم فقط من المسألة وهي فرص العمل التي فقدها أصحابها، ولم يتم إيجاد فرص عمل بديلة لهم، ولاحتياج فرص العمل الناشئة لدرجة كفاءة عالية غير متوفرة حالياً في السوق، ولابد للعمالة الحالية من وقت لا بأس به للتدرب عليها وإتقانها، لكن ما يمكن أن يجعل تخوف التقنيين مشروع ويُحترم، ويجب أخذه بعين الاعتبار ليس فقدان فرص العمل، وإنما هذا السباق المحموم لتحويل ما هو آلي لآلي بشري، وهذا ما يمكن أن يؤدي مستقبلاً لانحسار دور البشر بالكلية لصالح الآلة وعلى كل المستويات والصعد، فقد تصبح أخيراُ فكرة أفلام الخيال العلمي عن سيطرة الآلة حقيقة، ولو في أذهاننا.
الخاتمة
أخيراً هل يمكننا إيقاف عجلة الزمن، وتغيير نواميس الكون؟ الجواب لا، فكل ما نتمتع به في حياتنا اليوم هو وليد الابتكار، ووليد فكرة التطور والإبداع، وهو عبارة عن تراكم اختراعات و إنجازات بشرية، وتحسينات لابد منها، ذلك أن العقل البشري لن يتوقف عن التفكير، وعن تنفيذ ما يتخيله ويريد تحويله إلى حقيقة. وطالما أن العقل البشري هو من يصنع هذا التطور، وفي داخله تنشئ بذرته، فما عليه إلا أن يساير هذا التقدم، ويرفع من كفاءته وقدراته، وينمي مواهبه وإمكاناته لتتوافق مع هذا التسارع في الذكاء الآلي، ويجعل كل مخرجاته تصب في صالح رفاهيته وسعادته، ويجعله سبباً لإصلاح وتحسين حياة البشر لا سبباً لشقائهم وتعاستهم.
إقرأ المزيد كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في أتمتة العمل
المصادر
Share this content: