تُعد مدينة حلب، إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم، موطنًا لإرث حضاري استثنائي يجمع بين آثار الحضارات الرومانية، البيزنطية، العثمانية، والإسلامية. ورغم الدمار الكبير الذي لحق بها خلال الأزمة السورية، تُظهِر المدينة مؤشرات على تعافٍ تدريجي، مما يفتح آفاقًا واعدة أمام قطاع السياحة.
يتناول هذا البحث حجم القطاع السياحي، واقع الفنادق والمطاعم، إضافةً إلى أبرز الفرص الاقتصادية المتاحة للمستثمرين
1. حجم قطاع السياحة في حلب: بين الماضي والحاضر
شكّل قطاع السياحة في حلب قبل عام 2011 ركيزة اقتصادية أساسية، حيث ساهم بنحو 15% من إجمالي الدخل المحلي للمدينة، وفقًا لتقارير غرفة تجارة حلب.
بلغ عدد السياح السنوي ذروته في عام 2010 مع 1.2 مليون سائح، معظمهم من أوروبا، تركيا، ودول الخليج، بفضل ما تضمه المدينة من مواقع جذب مميزة، مثل:
• قلعة حلب: أشهر معالم المدينة وتضم مساجد، قاعات، وأسواقًا تاريخية.
• المدينة القديمة: مدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وتضم أسواقًا مسقوفة تمتد لمسافة 12 كم.
• الكنائس الأرمنية والكاتدرائيات: تجسيد للتنوع الديني والثقافي
لكن الأزمة أدت إلى تدمير 60% من المباني التاريخية بحسب منظمة اليونسكو، وانخفض عدد السياح إلى أقل من 10,000 سائح سنويًا بين عامي 2012 و2018 ومع تحسّن الأوضاع الأمنية بعد عام 2019
بدأت تظهر مبادرات لإحياء القطاع، مثل افتتاح متاحف مؤقتة وإعادة تأهيل أجزاء من الأسواق القديمة، مما ساعد في استقبال المدينة لـ حوالي 50,000 سائح في عام 2023، أغلبهم من الداخل السوري والمغتربين
2. واقع الفنادق والمطاعم: تحديات وإمكانات التطوير
أ. الفنادق
• قبل الأزمة: احتوت المدينة على أكثر من 70 فندقًا، من ضمنها 5 فنادق فئة خمس نجوم (مثل فندق “شهباء”) و15 فندقًا فئة أربع نجوم الحالة الحالية: يعمل حاليًا 25 فندقًا فقط، منها 3 تقدم خدمات فئة 4 نجوم، مثل فندق “ميريديان حلب” الذي أُعيد افتتاحه عام 2022. تُبذل جهود حثيثة لترميم الفنادق التاريخية بدعم من منظمات دولية، أبرزها فندق “بارون
ب. المطاعم
• قبل الأزمة: كانت حلب تحتضن حوالي 300 مطعم ومقهى، خاصةً في منطقة باب الفرج والمدينة القديمة، تشتهر بتقديم مأكولات تقليدية مثل الكباب الحلبي والمحاشي
• الحالة الحالية: يعمل نحو 100 مطعم، لكن فقط 30% منها يلتزم بمعايير الجودة. وتبرز مبادرات فردية لإحياء المطاعم التراثية، مثل إعادة إحياء مقهى “النوفرة” التاريخي
3. الفرص الاقتصادية المتاحة للقطاع الخاص:
يمتلك القطاع الخاص فرصًا استثمارية متعددة تُمكّنه من لعب دور فعّال في النهوض بالسياحة في حلب. فيما يلي أبرز المشاريع المقترحة:
أ. أهم ثلاث مشاريع ربحية:
1. إنشاء مجمعات سياحية متكاملة قرب المواقع الأثرية.
• الفرصة: مجمعات تشمل فنادق، مراكز مؤتمرات، ومطاعم عصرية تقدّم المأكولات المحلية.
• الربحية: تزايد الطلب على الإقامة الفاخرة والسياحة العلاجية.
• المثال: تطوير محيط قلعة حلب بإطلالة بانورامية على المدينة
2. تأسيس شركات سياحية رقمية (جولات افتراضية وواقع معزز)
• الفرصة: عرض المعالم المدمرة عبر تطبيقات تفاعلية.
• الربحية: جذب فئات السياح الرقميين والمهتمين بالتاريخ.
• المثال: تعاون مع Google Arts & Culture لإطلاق جولة افتراضية في سوق السقطية.
3. إنتاج وتسويق المنتجات الحرفية والتراثية
• الفرصة: إعادة إحياء الحرف مثل صناعة الصابون، النسيج، والنحاسيات.
• الربحية: الطلب العالمي المتزايد على المنتجات اليدوية ذات الطابع الثقافي.
• المثال: إطلاق متجر إلكتروني بالتعاون مع الحرفيين المحليين
ب. فرص أخرى واعدة:
• الاستثمار في وسائل النقل السياحي: مثل تأجير سيارات فاخرة مع سائقين مرشدين.
• مطاعم “التراث الذكي”: تمزج بين الطهي التفاعلي والأجواء التقليدية.
• مراكز السياحة العلاجية: خاصة في مناطق الينابيع الحارة في ريف حلب
الخاتمة:
لا تزال حلب تحتفظ بهويتها التاريخية الفريدة وقدرتها على استقطاب السياحة مجددًا. ورغم التحديات الكبيرة، تُعدّ المشاريع المقترحة فرصة حقيقية للقطاع الخاص لتقديم مساهمته في إعادة الإعمار مع تحقيق عوائد اقتصادية مُجزية.
النجاح مرهون برؤية استثمارية ذكية تمزج بين الابتكار والحفاظ على الهوية الثقافية للمدينة
اقرأ المزيد: عن تحديات التعامل مع الموردين العالميين
Share this content: